لكلينا عالم مليء بالتراكمات، عالم مليء، يضجّ بالتفاصيل. لا عجب إذًا في أنّ مصطلح الانتقائيّة لم يكن محبّبًا على قلبه. لا ننتقي شيئًا، ولكننا نصلح قدر الإمكان، إلى أن نبلغ غاية تضطرنا للتوقف. هذا ما أفعله أنا أيضًا. رسوماته ليست مؤرّخة. البعد الزمنيّ يفقد أهميته. وعلى الرغم من مراعاته لقصّته الشخصيّة، إلّا أنّه لم يخلق إنسان على صورته، وكلّ شخصيّة خلقت على صورتها الذاتيّة. شغفه بالورق وبحركة اليد يسفر عن رسائل من الجحيم.
في سنّي المتقدّمة، بعد سنوات من التغيير وابتكار عوالم وأساليب فنيّة، آثرت التركيز في السنوات الأخيرة على رسم رؤوس تمثّل المكان والزمان، الخارج والداخل، الأمان والخطر، الابتكار والنسخ، الأعضاء وبدائلها. من ناحية، يبدو وكأنّ الرسومات هي نتاجِ أسلوب محدّد، ولكنّها تبدو أيضًا فوضوية لم يتّبع صانعها أسلوبًا محدّدًا. هنا تحديدًا تقع نقط التقارب التي تدعو لإقامة عرض يجمع بيني وبين هوفشتتر.
كان هوفشتتر رسّامًا نشطًا. لا يكفّ عن العمل. أكوام متراكمة. يتنقّل من ورقة لأخرى، من جسد لآخر ومن رأس لآخر. أحيانًا، عندما نصادف هذا الكم الهائل من العناصر، يصعب علينا التركيز والحفاظ على منظور فرديّ. لا أتحدّث هنا عن لقائي برسّام لم يعد قائمًا بيننا. نلتقي هنا بإرثٍ ثمين، ننكشف على الحقيقة الصادّمة بأنّ الفنانين المعروفين في إسرائيل، تتلمذت على يد بعضهم وصادقت آخرين، باتوا منسيين، وفي أحسن الأحوال، أودعوا في مستودع ما.
استخدم طيلة مسيرتي المهنيّة مصادر وأفكارًا شكليّة اقتطعها من كتب، كراسات، صحف، صور فوتوغرافيّة. أجمع، أبحث، أصوّر، أنسخ، أطبع، أنتزع، أستملك، أكبّر، أشوّه وأقلّد. رسوماتي هي نتاج صدام مع مواد من الواقع ومن عملية البحث والتقصّي. هذه المرة، انكشفت بفضل متحف هرتسليا للفنون المعاصرة، على مجموعة هوفشتتر. هناك أجريت جميع أنشطتي هذه، ليس بهدف رسم لوحاتي، إنّما لاختيار رسوماته، نصبها بجوار رسوماتي للتعرّف إليها، للتعمّق فيها والتصادم معها، وللاستفادة والتعلّم من هذا التجاور.
لقراءة أقل ...